رواية مهمة زواج الفصول 1 لـ20 بقلم دعاء فؤاد

بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الأولى
في مساء إحدى ليالي أغسطس الدافئة يقف بحلته السوداء الأنيقة التي جعلته أميرا من أمراء حكايا ألف ليلة و ليلة و لما لا!..فالمفترض أنه عريس الليلة.
يقف بساحة الانتظار بمطار القاهرة الدولي ينظر إلى ساعته النفيسة بتأفف كل حين و آخر في انتظار وصول الطائرة القادمة من نيويورك و التي تقل ضيفة لا يعلم شكلها بعد.
و هناك خارج المطار تنتظر أسرته في سيارة أخرى و هم والدته و شقيقته و زوجها ليستقبلوا العروس المسكينة.
بعد عدة دقائق أعلن المذيع الداخلي عن هبوط الطائرة القادمة من نيويورك و حينها انتابته حالة من التوتر لا يدري كيف سيكون شعوره حين يقابلها بالأحرى كيف سيعرفها و هو لم يلتقي بها سوى مرة واحدة منذ عشر سنوات حين كانت في الرابعة عشر من عمرها.
و لكن لحظة... لقد أخبره والدها بأنه سوف يرسلها أليه بفستان الزفاف الأبيض.. حتما سيتعرف عليها من خلال هذا الفستان.
اطمئن قليلا حين تذكر ذلك الأمر فعلى الأقل سيتخطى إحدى المواقف المحرجة التي يتوقع حدوثها لاحقا.
و ما هي إلا لحظات حتى أقبلت عليه و هي ترتدي فستان زفاف بسيط ليس بالمبهرج كما أنه محتشم ذو أكمام واسعة يتناسب مع ذلك الحجاب الرقيق الذي ترتديه و تعلوه طرحة الزفاف المزرقشة من أسفل ذلك التاج الصغير الذي بالكاد يظهر على رأسها.
و خلفها أحد عمال المطار يجر حقائبها الكبيرة.
انتابته الدهشة حين رآها مقبلة عليه مباشرة دون أن تبذل أدنى مجهود في البحث عن هويته و كأنها تعرفه جيدا و لكنه نحى ذلك الشعور جانبا و رسم ابتسامة يجاملها بها حتى لا يشعرها بأنها عبئ عليه ولكن لحظة... لما تتلثم بهذه الكمامة السوداء!.. فرغم أنها أعطتها مظهرا أنيقا مع تلك الهالة البيضاء التي تحيطها ألا أنه لم يجد تفسيرا لإرتدائها.
أما من ناحيتها انحبست أنفاسها حين رأته واقفا هناك في انتظارها.. و حمدت الله في نفسها أنها ارتدت تلك الكمامة و التي استعملتها خصيصا لتواري بها خجلها و سعادتها بلقائه في آن واحد... فلا ينبغي له أن يعرف أنها تحبه منذ أمد بعيد حفاظا على كرامتها... لابد له أن يعترف هو أولا بحبه لها و لو بعد حين.
حين وقفت أمامه ألتقت عينيها البنية بلون القهوة بعينيه البنية المائلة للسواد.
في لحظات كانت قد طبعت ملامحه الرجولية الحادة برأسها ثم أخفضت عينيها للأسفل سريعا و دقات قلبها تعلو و تتسارع... يا إلهي.. لقد أصبح أكثر جاذبية و أكثر وسامة منذ آخر مرة رأته فيها قبل أن تغادر البلاد مع أبيها إلى الولايات المتحدة.
حمد الله على سلامتك يا دكتورة ندى.
قالها بابتسامته الساحرة و لكن رغم ذلك امتعضت ملامحها حين نعتها بالدكتورة... انها زوجته الآن.. لما يستخدم الألقاب إذن.
أجابته بنبرتها الرقيقة التي تتناسب مع جسدها الضئيل و قالت
الله يسلمك يا أدهم بيه.
اتفضلي من هنا.. ماما في انتظارك برا في العربية.
أومأت بتجهم و سارت خلفه بشيئ من الضيق.. فلم يكن في حسبانها أبدا أن اللقاء سيكون بهذه الطريقة الرسمية للغاية.
لم يبارك زواجهما.. لم يسألها عن أحوالها.. لم يسألها كيف كانت رحلتها... ترى هل هذه طباعه!.. أم أنه...
نفضت تلك الفكرة عن رأسها سريعا.. فهي غير مستعدة لفكرة أن زواجه بها مجرد مهمة من مهماته أو حتى خدمة لوالدها.
بمجرد أن رأتها تلك السيدة الوقور تطل عليهم بالفستان الملائكي حتى ترجلت من السيارة على الفور و ابتسامتها الفرحة تشق وجهها الجميل و حين اقتربت العروس فتحت تيسير ذراعيها على آخرهما و كأنها تدعوها لتلقي بنفسها بينهما و بالفعل لم تكذب ندا خبرا و ارتمت بتأثر بين ذراعي تلك السيدة الحنونة التي تذكرها بأمها الحبيبة.
حبيبتي يا ندى... وحشتيني وحشتيني وحشتيني أوي يا حبيبة قلبي... عشر سنين متنزليش مرة تطلي عليا و تخليني أشوفك و اطمن عليكي!.
ابتعدت ندى عن بشق الأنفس ثم قالت بتأثر شديد
و انتي كمان وحشتيني اوي يا طنط تيسير.. حضرتك عارفة الظروف.. يا ريت كان ينفع أنزل و أشوفك.. مكنتش هتأخر أبدا.
ظلت تيسير تربت على كتفها بحنو و تناظرها بنظرات مشتاقة إلى أن انتبهت إلى تلك الكمامة السوداء فلم يكن يظهر من وجهها سوى عينيها و جبهتها.
لابسة كمامة ليه يا حبيبتي.. انتي تعبانة ولا ايه
قامت ندى بنزعها على الفور ثم قالت بإبتسامة واسعة
لا أبدا... كنت لابساها تحسبا عشان تغيير الجو.
التمعت عيني تيسير و من خلفها أدهم بإعجاب واضح بملامحها المريحة المتناسقة فرغم أنها خمرية البشرة إلا أن ملامحها ملفتة و تقاسيم وجهها متسقة و وجهها مستدير و صغير فهي تشبه كثيرا الممثلة المعتزلة حنان ترك و هي محجبة في شكلها و طولها و قوام جسدها.
بسم الله ما شاء الله....كنتي جميلة و بقيتي أجمل لما كبرتي يا ندى...كأن سمية الله يرحمها هي اللي واقفة قدامي دلوقتي.
أخفضت رأسها بحزن و هي تترحم على أمها المتوفاة و التى ترى حنانها المفقود في تلك السيدة الماثلة أمامها الآن و التي كانت صديقة أمها المقربة.
رفعت رأسها حين أتاها صوت روان شقيقة أدهم و هي تقول لها بود
حمد الله على سلامتك يا ندى... نورتي مصر يا حبيبتي.
قامت ندى بحب بالغ و هي تقول
الله يسلمك يا حبيبتي... انتي أكيد ريم.. صح!
ابتعدت عنها قليلا و هي تقول ببسمة صافية
لا يا حبيبتي.. أنا روان... ريم في شغلها في الصعيد.. كانت نفسها تكون في استقبالك بس للأسف لسة مستلمة شغلها امبارح و مكانش ينفع تاخد أجازة بالسرعة دي... بس هي بعتالك معايا السلام و ف أقرب وقت هتيجي عشان تشوفك و تسلم عليكي.
الله يسلمك و يسلمها يا حبيبتي.. ربنا يوفقها.
اتسعت ابتسامة روان أكثر و هي تعاينها بإعجاب واضح و تقول
بس انتي صغنونة أوي يا ندا...عارفة انتي شبه مين!
مين!
شبه حنان ترك الممثلة... سبحان الله نسخة منها... بس انتي شكلك أصغر و أحلى كمان.
ضحكت ندى كما ضحك أدهم أيضا و قال
فعلا يا روان أنتي لماحة أوي... من ساعة ما شالت الكمامة و أنا عمال أقول حاسس إني شوفتها قبل كدا.
ثم أطلق ضحكة بسيطة و لكنها نظرت له پألم فقد أوجعتها تلك الكلمات و ذكرتها بالحقيقة المرة التي لطالما تحاول تجاهلها..
ياللعجب هي زوجته و في نفس الوقت يراها للمرة الأولى.
تدخل محمود زوج روان سريعا ليغير مجرى حديث صديقه القفل كما ينعته دائما ليقول بود
حمدالله على سلامتك يا دكتورة ندى..نورتي مصر...أنا محمود زوج روان و أنا و القفل...احم..أقصد أدهم أصدقاء و زمايل في الشغل.
استنبطت أنه ضابط طالما أنه زميل أدهمفحيته بأدب جم قائلة
الله يسلمك يا محمود بيه...مصر منورة بأهلها.
حمحم أدهم ليقول بجدية
أنا بقول كفاية سلامات بقى و يلا نروح على البيت عشان ندى أكيد تعبانة من السفر.
نظرت له أمه بحدة و هي تقول باستنكار
بيت!.. لأ طبعا.. الليلة ليلة فرحكم و طالما الظروف
قالت كلمتها الأخيرة و هي
تنظر لندى ببسمة محبة.
بينما في تلك الأثناء قام محمود بوكز أدهم في كتفه و هو يقول بصوت مكتوم
انت غبي يابني...احنا مش متفقين اننا هنعملها حفلة صغيرة بدل الفرح.
رد عليه بهمس
نسيت يا بني ادم..ايه مبتحصلش.
نظر له شرذا و هو يردد
صحيح قفل.
نظر أدهم لندى بابتسامة مقتضبة و هو يقول بحرج
احنا أصلا حاجزين مركب شيك جدا في النيل.. بس حسيت انك تعبانة من السفر فقولت نأجلها.
ردت روان بدلا عنها
لأ مفيش تأجيل.. يلا يلا يا أدهم خود عروستك على عربيتك و احنا هنحصلك على هناك.
قالتها و هي تدفعه نحوها فقام أدهم بدوره بمسك يدها المتدلية بجانبها برقة متناهية و كأنها يخشى أن تنكسر بين يديه و لكن الحق أنه لا يريد لمسها فهو مازال لا يتخيلها زوجته و عليه لمسها.
بينما ندى أصابها الدوار و شعرت بأن الهواء يقل من رئتيها فمنذ أن ولدتها أمها لم ېلمس يدها من جنس الرجال سوى أبيها... و لكن من الذي يلمسها الآن!.. إنه ليس أي رجل.. إنه معشوق روحها.
سارت بجانبه باستسلام تام و قلبها يرفرف بين أضلعه من فرط سعادتها...أخيرا من انتظرت اقتران روحها بروحه منذ سنوات طويلة يسير بجانبها و هي زوجته و حلاله.
و لكن ترى ستستمر فرحتها طويلا!... أم لأدهم رأيا آخر!!!
تماما في تلك الأثناء... في منزل واسع أشبه بالفيلا
تقبع دارين بغرفتها و هي تعتلي كرسيها الهزاز و تتحرك به بشدة فيهتز بها بقوة لعلها تفرغ بتلك الحركات شحنة ڠضبها.
فكيف و من يدعى خطيبها قد استغنى عنها و تزوج بغيرها و في غضون ستة أيام فقط و بطريقة مفاجئة و بدون سابق إنذار.
يالها من زيجة سريعة حقا... لقد حفت ورائه عدة أشهر لعله يراها و يشعر بها حتى كادت أن تيأس و حين حدث ما تمنت و خطبها يتخلى عنها بهذه السهولة و بعد شهر واحد من الخطبة!!
يالحظك العثر دارين... لم تكد تهنأ بفوزها به حتى أتت أخرى و اختطفته من طريقها و بمنتهى السهولة.
راحت تكفكف عبراتها و هي تفكر كيف لها أن تستعيده بطريقة تحفظ كرامتها و لا تجعله يشعر أنها تريده لها و تحترق شوقا إليه.
كان يقود السيارة و هي قابعة في المقعد الأمامي بجواره يسود بينهما الصمت المطبق فلا هي لديها الجرأة على فتح مواضيع معه ولا هو يمتلك شغف الحديث معها.
فجل تفكيره منصب في هذه اللحظات على من خذلها و ترك قلبه معها و أجبر على الذهاب لغيرها بدون قلب.
و على ذكرها أتته رسالة على هاتفه الجوال فقام بتقليل سرعته لكي يتمكن من قراءة الرسالة ربما تكون من حبيبة القلب دارين فهو مشفق عليها و على قلبه المكلوم إلى أقصى حد.
لم ېكذب حدسه حيث كانت تلك الرسالة منها حيث كتبت
مبروك يا عريس... مبروك عليك عروستك الحلوة.
أغلق الهاتف و هو يتنفس پعنف فالتفتت له تناظره بدهشة من تبدل حاله رغم صمته و لكنها أيضا لم يكن لديها الجرأة لتسأله... فقط لمست منه الجفاء و حسب... الأمر الذي جعل مخاوفها تتفاقم.
بينما كانت لتلك الرسالة تأثيرا قويا عليه جعلته يضرب بنصائح أمه و تنبيهاتها عرض الحائط.
يشعر بسخط من تلك المخلوقة الجالسة بجواره أن كانت سببا في التفريق بينه و بين حبيبته و حتى و إن كانت لا تدري أن
له حبيبة و خطيبة من الأصل.
لقد ذكرته بمعاناته و تخبطه خلال الستة أيام الماضية كانت أسوأ ستة أيام مروا عليه منذ حاډث إغتيال والده.
حاول قدر الامكان أن يتحلى بالثبات ففي
كل
الأحوال
هي ليس لها ذنب فيما حدث و يحدث الآن... فهي مثله تماما مجبرة على ذلك... أو هكذا يظن ذلك.
بعد حوالي نصف ساعة من القيادة الصامتة تماما وصل الى الباخرة النيلية التي كانت مجهزة خصيصا لهما.
ترجل من السيارة و دار حولها ليفتح لها الباب و هو يقول بإبتسامة مصطنعة
اتفضلي.
حاولت أن تترجل من السيارة دون أن تتعثر بفستانها و لكن الأمر كان صعبا للغاية انتظرت أن يمد يده لها لكي يسندها حتى تستطيع الترجل و لكنه لم يفعل.
لقد كانت في أقصى درجات الڠضب و لكنها كتمت ذلك بنفسها و كرد فعل طبيعي قامت بالصياح به بحدة دون أن تشعر
انت مش شايفني مش عارفه أنزل!.. هتفضل واقف تتفرج عليا كدا كتير!!
وصل صوتها لمحمود الذي ترجل من سيارته لتوه فأسرع إليهما فقد توقع أن صديقه القفل قد فعل خطبا ما بها.
انتي بتعلي صوتك عليا كدا ليه!.. أنا مسمحلكيش على فكرة.
رد عليها بنبرة تخطت نبرتها بكثير كادت أن ترد عليه إلا أن صوت محمود سبقها حين قال
في ايه بس استهدوا بالله.
راحت تردد بصوت منخفض لا إله إلا الله.
ثم قالت بنبرة عادية
مفيش حاجه حصلت يا محمود بيه... انا بس كنت بحاول انزل من العربية و مش عارفة انزل لوحدي بسبب الفستان و أدهم بيه واقف ساند ايده ع الباب و واقف بيتفرج عليا.
لمس في حديثها السخرية و لكنه سيطر على غضبه بينما محمود رمقه بغيظ شديد و هو يقول بنبرة عادية حتى لا يزيد الأمور تعقيدا
لا ملكش حق يا أدهم... اعذريه يا دكتورة ندى.. أصله متعاملش مع أميرات قبل كدا... كل تعاملاته مع المجرمين و قتالين القتلة.
اتسعت عيني أدهم بغيظ و هو يناظره پغضب الأمر الذي أثار ضحكها و لكنها كتمتها سريعا حتى لا ينظر لها نفس النظرة.
تحامل أدهم على نفسه و تنحنح بأسف قائلا
أنا آسف يا ندى مقصدش اللي حصل طبعا.. بس أنا فعلا أول مرة أتحط في الموقف دا و مأخدتش بالي إني لازم أساعدك.
هزت رأسها بإبتسامة بسيطة و هي ما زالت جالسة بالسيارة فقام أدهم بدوره بمد يده لها و هو يبتسم ابتسامة ساحرة ويكأنه يصالحها بتلك الإبتسامة التي كادت تفتك بها فتكا فقامت بدورها بوضع كفها الصغير البارد بكفه.
ليته لم يفعل لقد ازدادت لديها الأمور تعقيدا.. فلم تستطع أن تلملم فستانها من فرط الخجل و التوتر أثر لمسته المهلكة فانحنى عليها حتى أصبح بحمرة مخلوطة بلونها الخمري علت دقات قلبها حتى أنه قد سمعها و هو يحاول لملمة فستانها لكي تستطيع النهوض و لكنه لم يبالي كثيرا لهذا الأمر فقد كان يبادلها مشاعر باردة حد الجليد.
و أخيرا خرجت من السيارة و هي لا تستطيع أن ترفع عينيها بعينيه من فرط الخجل فتأبط ذراعها بعدما أخبره محمود بأن يذهب هو بعروسه إلى الباخرة و سوف يتولى هو أمر السيارة.
كانت الباخرة فاخرة للغاية مزينة بعناية... زينتها تليق بضابط كفؤ في العمليات الخاصة مثل أدهم.
كان في انتظارهما بعض الأصدقاء المقربين من العائلة و بعض من زملاء أدهم و زوجاتهم و صديقات روان أيضا.
كان أدهم قد أقنع الجميع آنفا بأنه لم يوفق في خطبته بدارين و حين علم أن ابنة صديق والده المقرب على وشك العودة لمصر لتستقر بها أصر على الزواج بها متحججا أنه كان يحبها و ينتظرها منذ كانت في الرابعة عشر من
عمرها و قبل أن تغادر البلاد مع أبيها.
قامت السيدة تيسير بلكز
أدهم ماما بتقولك يا ريت تفرد وشك دا شوية... المفروض الناس عارفة انك بتحبها من زمان و كنت مستنيها ترجع... بزمتك دا منظر عريس ليلة فرحه!
تنهد أدهم بنفاذ صبر ثم قال بإبتسامة مصطنعة
حاضر يا روان... حلو كدا.
قالها و هو يرسم تلك البسمة الصفراء على شفتيه فلوت شفتيها متحدثة بحنق
لا طبعا مش حلو... و الله أنا مستغرباك يا أدهم... بقى البسكوتاية دي متتحبش!.. طاب و الله أحلى من دارين مېت مرة.. و روحها و ډمها و كلها على بعضها كدا تعدي دارين بمراحل.
رمقها بنظرة تحذيرية مزمجرا بخفوت
روااان.. الزمي حدودك و متجبيش سيرة دارين على لسانك.
هزت رأسها بيأس و هي تقول بهمس
ربنا يهديك يا أدهم..
ثم تركته بنيران الڠضب و السخط تشتعل بسريرته و عادت إلى حيث تجلس والدتها بملامح متجهمة.
وشك ميبشرش بالخير.
قالتها السيدة تيسير بقلق لترد روان بضيق
ماما من فضلك أنا مش هتكلم مع أدهم في الموضوع دا تاني... هو مش صغير و اللي عايز يعمله يعمله.
ايه اللي حصل بس قوليلي.
مش وقته يا ماما... الناس بتبص علينا.
كانت العروس خجلى و العريس ساكن قلما يتحرك و يتحدث مع عروسه الأمر الذي أصاب أسرته بالڠضب البالغ و لكنه لم يبالي لهم فيكفيه تظاهرا بالراحة و السعادة إلى هذا الحد.
كان آسر صديقه يرمقه بغيظ و يتوعد له فقد أشفق كثيرا على عروسه المسكينة و التي لم تلقى منه سوى التجاهل حتى الآن.
العروسة أمورة أوي ما شاء الله..
كانت تلك كلمات خطيبة آسر و التي كانت تقف بجواره و بينه و بين شقيقتها مودة.
رمقها ببسمة هائمة مرددا
عقبالنا يا قلبي.
ابتسمت له بخجل ثم أدارت نظرها لشقيقتها ترمقها بإشفاق بالغ ثم قالت لها بحذر
عقبالك يا مودة.
لوت شفتيها لجانب فمها بتهكم مرير ثم قالت بأسى
اللي زيي ميتقلهاش الكلمة دي يا ميري...انتي كدا بتحكمي عليا بالمۏت المؤكد.
ربتت على كتفيها بحنو و هي تردد بلهفة
بعد الشړ عليكي يا حبيبتي متقوليش كدا...
ربتت على كفها المستقر على كتفها و هي تقول بنبرة راضية
متقلقيش يا حبيبتي أنا مش زعلانة...أنا راضية بنصيبي من الدنيا الحمد لله.
اغرورقت عيني ميري بالدموع حزنا على شقيقتها الكبرى و التي تعاني من مرض مزمن في القلب يمنعها من ممارسة حياتها بشكل طبيعي و يجعلها صريعة بالمستشفى كل حين و آخر.
قام محمود بالتحدث إلى رجل الدي چي لكي ينهي ذلك الحفل السخيف كما يرى بسبب صديقه القفل فقام بدوره بتشغيل أغنية هادئة لإليسا.. عادة يتم تشغيلها في حفلات الزفاف و هي أغنية ع بالي حبيبي
تقدم محمود بابتسامة ماكرة إلى حيث يجلس العروسين و قام بجذب أدهم من مقعده إلى منتصف الباخرة و أشار لندى لتأتي إليه و قد فعلت و قال لأدهم بمكر
يلا يا عريس... ارقص مع عروستك رقصة سلو عشان تختم حفلتك.
اصتك فكيه پغضب و هو يرمقه بغيظ و لكنه سيطر على انفعالاته سريعا و استدار لندى التي كانت في قمة توترها... فهي أصبحت تخشى لمساته كثيرا.. و التي تفضحها و تفضح خجلها و عشقها له.
قام أدهم بلف ذراعيه حول خصرها و لكن بتحفظ محافظا على مسافة كافية بينهما و كأنه يخشى الاقتراب منها بينما هي حمدت الله أنه لم يقترب أكثر من ذلك و إلا حتما كان سيسمع دقات قلبها للمرة الثانية.
اغتاظت السيدة تيسير منه حين بدأ يتمايل معها على أنغام الأغنية المؤثرة و هو مازال بعيدا عنها على هذه الشاكلة حتى أنها همهمت بضيق
دول مش منظر عرسان أبدا... الله يسامحك يا أدهم... بقى هو دا اللي فضلت أدرسهولك من امبارح لحد النهاردة!!.
و ما هي لحظات حتى أشارت لندى لكي تقترب هي منه أكثر و قد فهمتها و بالفعل اقتربت منه خطوة و قربت كفيها من رقبته حتى كادت أن تلفهما حوله.
ندى.... أنا آسف إني كنت فظ شوية معاكي.. بس للأسف دي طبيعتي.. مبعرفش أذوق الكلام.
قالها بصوت هامس رقيق جعلها تتأمله بوله أكثر حتى أنها لم تفهم ما قال... يكفيها فقط طريقة نطقه لإسمها.
لم ترد عليه فهي لم تفهم ما قال من الأساس فاعتقد أنها مازالت غاضبة منه.
يبقى انتي أكيد لسة زعلانة مني.
أخيرا فهمت قصده فأسرعت لتقول
لا لا لا طبعا مش زعلانة ولا حاجة... عادي احنا لسة بنستكشف بعض و مسيرنا هنفهم بعض كويس.
أماء ببسمة صافية جعلته أكثر وسامة الأمر الذي جعلها تتنهد بسعادة بالغة و كأنها تحلق فوق السحاب.
شردت ندى في كلمات الأغنية التي تصدح في الأجواء فقد لمست قلبها كثيرا و تتمنى لو كان يبادلها نفس المشاعر تستمع إليها و هي تنظر إليه بعشق بالغ و كأنها تغنيها له بينما هو أحب نظراتها له أحب الرقص معها و استمتع به رغم استيائه في بادئ الأمر حين فاجئه محمود بها.
انتهت الأغنية و صفق الجميع بحرارة فابتعدت عنه بشق الأنفس ثم شكر الجميع و قبض على كفها بتملك و سارا سويا إلى حيث سيارته.
تلك المرة تعلم الدرس و قام بمساعدتها حتى استكانت بالمقعد ثم استلقى بمقعد السائق و أدار السيارة إلى حيث بيته الراقي الكائن بأرقي مناطق التجمع الخامس.
بسم لله الرحمن الرحيم
الحلقة الثانية
رواية مهمة زواج
في تلك الأثناء تماما تحديدا في الولايات المتحدة بمدينة نيويورك.
يجلس رجل خمسيني في شرفة شقته ينظر إلى السماء و العبرات تتساقط من عينيه و هو يحدث نفسه بحزن بالغ و كأنه ينعي فقيد
كان نفسي أسلمك بإيدي لعريسك يا ندى... كان نفسي أشوف فرحتك بفستانك و انتي جنب عريسك.. كان نفسي أشوف لمعة عنيكي اللي بشوفها لما كنت بجيب سيرته او أكلمك عنه... سامحيني يا بنتي إني كنت السبب في إن ليلة فرحك تكون بالشكل دا و بالطريقة دي و أنا مش معاكي...
بس عزائي الوحيد إن سيبتك بين ايدين راجل هيعرف يحافظ عليكي و يحميكي من أعدائه و أعدائي... الراجل اللي انتي طول عمرك كنتي بتحبيه و بتتمنيه.
أخذ يكفكف عبراته الساخنة بيديه ثم أراح ظهره للخلف يتذكر ما حدث منذ ستة أيام تقريبا....
فلاش باك.....
ألو... سامي.. الحقني يا سامي أنا في مصېبة..
تحدث بهلع مع صديقه و زميله في العمل
عبر الهاتف فأتاه رد الآخر
من بلده
الحبيبة مصر
في
ايه يا أنور قلقتني.
الماڤيا رجعو ينخوروا ورايا تاني و شاكين إني ورا الصفقة الأخيرة بتاعتهم اللي باظت بس مش متأكدين... و بيبعتولي رسايل ټهديد بالاغتيال يا سامي.. انت متخيل!.. هعيش أنا و بنتي نفس المأساة تاني... مش كفاية سمية راحت مني... هستنى كمان لما ندى تروح ولا لما ېقتلوني أنا و أسيبها هي تواجه العصابة دي لواحدها!
هوى قلب اللواء سامي في قدميه ثم قال بقلق
اهدى.. اهدى يا أنور... مفيش قدامنا غير إنك تجيب ندى و ترجع على مصر.. احنا هنقدر نحميك.
يبقى انت كدا بتحكم علينا بالمۏت... انت عارف كويس اوي إنهم
أخذ سامي يتنفس پعنف فهو يشعر الآن بالعحز التام و أخذ يردد بهلع
انت عندك حل تاني يا أنور!
سكت أنور يزدرد لعابه بصعوبة إلى أن قال
أنا مش خاېف على نفسي.. أنا كل خۏفي على ندى.. ندى مش قد العصابة دي... لو مۏتوني مش مهم.. إنما ندى... لأ.. ندى لازم أحميها منهم لو على حساب نفسي.
رد سامي بقلة حيلة
ابعتلنا ندى يا أنور... احنا هنعرف نحميها كويس.
أبعتهالك بصفتك ايه يا سامي!.. و هتعيش معاك ازاي و انت اصلا كل ولادك متجوزين و عايش لواحدك في البيت.
عيب عليك يا أنور... ندى دي بنتي.
لا بنتي مش هتقبل بالوضع دا أنا متأكد... أمها الله يرحمها مربيها على مبادئ و أخلاق الدين و محفظاها كتاب الله قبل ما تستشهد.
طاب قولي انت نعمل ايه... اللي تقول عليه هعمله يا أنور... دا أقل حاجة نقدر نقدمهالك بعد كل اللي ضحيت بيه في سبيل البلد.
اسمعني كويس... من آخر رسالة وصلتني منهم و أنا مبطلتش تفكير في مصير ندى... و ملاقيتش غير حل واحد هو اللي هينقذ بنتي من بين ايديهم.
أنا معاك و هنفذ اللي تقول عليه بدون نقاش.
مفيش قدامي غير إني أجوزها لأدهم برهام.
أدهم!... اشمعنى أدهم!
لأن أدهم له تار بايت معاهم.. مانت عارف انهم هما اللي اغتالو العميد برهام بيه الكيلاني الله يرحمه.. و أدهم مش سايبهم و بينخور وراهم... و هما مرعوبين منه و بيحاولو يبعدو صفقاتهم عن مصر بأي طريقة عشان ميقعوش تحت رحمته... و ندى لو اتكتبت على اسمه استحالة يفكرو يأذوها... لأن لو دا حصل... التار هيكون تارين و أدهم مش هيعديهالهم و هما عارفين كدا.... أدهم الراجل الوحيد اللي هأتمنو على ندى.
اقتنع اللواء سامي بحديث زميله و صديقه أنور و أجابه بلا تردد
علم و ينفذ يا سيادة اللوا.
ابتسم أنور بارتياح ثم قال بجدية
أنا هسيبلك انت المهمة دي يا سيادة اللوا.. بس يا ريت في أسرع وقت... مفيش قدامي وقت كتير... احنا في خطړ لا تتخيله.
متقلقش يا أنور...خلال أقل من أسبوع ان شاء الله ندى هتكون موجوده في مصر و هي حرم الرائد أدهم برهام الكيلاني.
مازلنا في أحداث ما قبل ستة أيام من الوقت الحالي..........
أغلق اللواء سامي الهاتف مع صديقه ثم جلس مليا يفكر كيف سيفاتح أدهم في ذلك الأمر خاصة و أنه لم يكد يمر شهرا واحدا على خطبته من أخرى.
و لكن ليس أمامه سوى أن يوافق أدهم على الزواج بندى و لو اضطر إلى إجباره على هذه الزيجة.
رفع سماعة هاتف مكتبه متحدثا بلهجة رسمية
ابعتلي أدهم بيه يابني.
و ما هي إلا دقائق حتى كان أدهم جالسا قبالته ببدلته البيضاء الرسمية بعدما قام بأداء التحية العسكرية.
بدا التوتر على ملامح اللواء سامي و راح يبحث عن الكلمات المناسبة ليبدأ بها حديثه فاستشف أدهم بفطنته أن الخطب جلل فتنحنح قائلا بترقب
مهمة جديدة دي ولا إيه يا سامي باشا!
نظر له بتمعن ثم قال بجدية
اعتبرها مهمة جديدة.
ضيق عينيه بعدم فهم متسائلا
قصد حضرتك ايه يافندم!
أخذ نفسا عميقا ثم قال بنبرة حادة و كأن الحديث غير قابل للنقاش
سيادة اللوا أنور باشا عبد الحميد حياته هو و بنته في خطړ في أمريكا...
غامت عيني أدهم پغضب جامح فقد ذكره ذلك الأمر بحاډث اغتيال والده على يد تلك العصابة الغاشمة و بدأت عروق رقبته في البروز من فرط الڠضب و هذا ما أراده تماما اللواء سامي.
استرسل اللواء حديثه بمزيد من الضغط العصبي
الراجل اتصل بيا و بيستنجد بينا عشان ننقذ بنته بأقصى سرعة.
رد أدهم باقتضاب
و المطلوب!
نظر له اللواء نظرة مطولة ثم قال
انت عارف إن دي نفس العصابة اللي اغتالت والدك برهام باشا الله يرحمه!
رد و هو يتنفس بسرعة قائلا باقتضاب
عارف يافندم...و ان شاء الله آخرتهم هتكون على إيدي و حق أبويا هيرجع لو فيها مۏتي.
و احنا معاك و في ضهرك طبعا يا أدهم... والدك الله يرحمه كان قيمة كبيرة جدا في العمليات الخاصة... و احنا خسرنا كتييير جدا بعد ۏفاته.
قاطعه أدهم مصححا
استشهاده يافندم.
أومأ سامي و هو يقول بتأثر
نحسبه كذلك و لا نزكيه على الله.... نرجع لموضوعنا.. أنور باشا كان صديق والدك الأنتيم و انت عارف كدا و أفضاله على العمليات متقلش أبدا عن أفضال والدك رحمة الله عليه... عشان كدا واجب علينا نردله شوية من جمايله علينا و أقل حاجة اننا نحمي بنته من شړ الماڤيا دي.
رد أدهم بجدية
و أنا تحت أمرك يافندم و تقدر حضرتك تعتمد عليا... بس فهمني ايه المطلوب مني بالظبط.
ازدرد سامي لعابه بتوتر ثم ألقى بقذيفته
مفيش قدامنا حل غير إنك تتجوزها..
انفرج ثغر أدهم ليعترض إلا أنه استوقفه بإشارة من يديه أن انتظر و استرسل قائلا
عارف إن المهمة صعبة و تكاد تكون مستحيلة لأنك خاطب و بتحب خطيبتك.. بس صدقني كل الطرق مقفولة و دا الطريق الوحيد اللي فيه المخرج.. أنور مينفعش يرجع ببنته لانهم هيقتلوه قبل ما يوصل المطار...و ف نفس الوقت البنت لو رجعت لوحدها لازم تعيش تحت حماية حد يقدر يحميها بجد منهم.
هب أدهم من مقعده بانفعال صائحا
و هي الداخلية كلها بجلالة قدرها مفيش فيها ظابط يقدر يحميها غيري.
هب سامي بانفعال أشد مزمجرا به
متنساش نفسك يا حضرة الظابط و الزم حدودك و انت بتتكلم مع رئيسك..
أطرق أدهم رأسه بخذي قائلا
آسف يافندم مقصدش طبعا.
رمقه شرذا ثم أمره بحدة
اتفضل اقعد يا بيه.
انصاع لأمره ثم جلس على مضض فحاول اللواء أن يعيد ضبط انفعالاته مرة أخرى بعدما عاد لوضع الجلوس ثم قال بنبرة أقل حدة
أدهم العصابة عملالك ألف حساب عشان التار اللي بينك و بينهم.. و انت الوحيد اللي هيتجنبوك حتى لو كارت ندى بنت أنور باشا معاك انت.. ساعتها هيكون كارت محروق بالنسبالهم.
رد أدهم بملامح متجهمة
أنا عندي استعداد أستقبلها في بيتي و تعيش مع أمي و أختي الصغيرة و محدش هيقدر يدوسلها على طرف... بس من غير جواز.
رد عليه اللواء بعقلانية
ان كنت انت هتقبل بالوضع دا فهي لأ...البنت متدينة و عارفة
بالنسبالها... احنا عايزين ندى تكون حرم الرائد أدهم برهام عشان محدش يفكر يهوب ناحيتها.
يافندم...
قاطعه سامي بحزم
خلاص يا أدهم
وقتك خلص... و تقدر تروح البيت من دلوقتى لو حابب عشان تهيئ نفسك للمهمة دي... ندى أنور عبدالحميد هدف من ضمن الأهداف اللي بنكلفك بحمايتها و الموضوع منتهي و غير قابل للنقاش لو حابب تحافظ على مكانتك في العمليات الخاصة.
نهض أدهم و شرارات الڠضب و السخط تنشب بمقلتيه ثم قال
حضرتك بتحطني في خانة اليك!....تمام يا سيادة اللوا.
ثم انصرف مغادرا بعصبية مفرطة